سورة التوبة - تفسير تفسير القرطبي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (التوبة)


        


{الَّذِينَ آمَنُوا وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللَّهِ وَأُولئِكَ هُمُ الْفائِزُونَ (20)}
قوله تعالى: {الَّذِينَ آمَنُوا} في موضع رفع بالابتداء. وخبره {أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللَّهِ}. و{دَرَجَةً} نصب على البيان، أي من الذين افتخروا بالسقي والعمارة. وليس للكافرين درجة عند الله حتى يقال: المؤمن أعظم درجة. والمراد أنهم قدروا لأنفسهم الدرجة بالعمارة والسقي فخاطبهم على ما قدروه في أنفسهم وإن كان التقدير خطأ كقوله تعالى: {أَصْحابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا} [ان الفرق: 24].
وقيل: {أَعْظَمُ دَرَجَةً} من كل ذي درجة، أي لهم المزية والمرتبة العلية. {وَأُولئِكَ هُمُ الْفائِزُونَ} بذلك.


{يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَرِضْوانٍ وَجَنَّاتٍ لَهُمْ فِيها نَعِيمٌ مُقِيمٌ (21) خالِدِينَ فِيها أَبَداً إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ (22)}
قوله تعالى: {يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ} أي يعلمهم في الدنيا ما لهم في الآخرة من الثواب الجزيل والنعيم المقيم. والنعيم: لين العيش ورغده. {خالِدِينَ} نصب على الحال. والخلود الإقامة. {إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ} أي أعد لهم في دار كرامته ذلك الثواب.


{يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا آباءَكُمْ وَإِخْوانَكُمْ أَوْلِياءَ إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الْإِيمانِ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (23)}
ظاهر هذه الآية أنها خطاب لجميع المؤمنين كافة، وهي باقية الحكم إلى يوم القيامة في قطع الولاية بين المؤمنين والكافرين. وروت فرقة أن هذه الآية إنما نزلت في الحض على الهجرة ورفض بلاد الكفرة. فالمخاطبة على هذا إنما هي للمؤمنين الذين كانوا بمكة وغيرها من بلاد العرب، خوطبوا بألا يوالوا الآباء والاخوة فيكونوا لهم تبعا في سكنى بلاد الكفر. {إِنِ اسْتَحَبُّوا} أي أحبوا، كما يقال: استجاب بمعنى أجاب. أي لا تطيعوهم ولا تخصوهم. وخص الله سبحانه الآباء والاخوة إذ لا قرابة أقرب منها. فنفى الموالاة بينهم كما نفاها بين الناس بقوله تعالى: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصارى أَوْلِياءَ} [المائدة: 51] ليبين أن القرب قرب الأديان لا قرب الأبدان.
وفي مثله تنشد الصوفية:
يقولون لي دار الأحبة قد دنت *** وأنت كئيب إن ذا لعجيب
فقلت وما تغني ديار قريبة *** إذا لم يكن بين القلوب قريب
فكم من بعيد الدار نال مراده *** وآخر جار الجنب مات كئيب
ولم يذكر الأبناء في هذه الآية إذ الأغلب من البشر أن الأبناء هم التبع للآباء. والإحسان والهبة مستثناة من الولاية. قالت أسماء: يا رسول الله، إن أمي قدمت علي راغبة وهي مشركة أفأصلها؟ قال: «صلي أمك» خرجه البخاري. قوله تعالى: {وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} قال ابن عباس: هو مشرك مثلهم لان من رضي بالشرك فهو مشرك.

3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10